( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وتَنـزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )

الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. لقد سقط طاغية جديد حكم بلده بالحديد والنار، والبطش والإرهاب، والسجون والمعتقلات، والمشانق والاغتيالات لأكثر من أربعين عاما، حتى ثار عليه شعبه ثورة سلمية في بدايتها فإذا به يدك المدن بالطائرات والدبابات وراجمات الصواريخ، فحمل الشعب السلاح القليل والخفيف يدافع عن نفسه ويقدم آلاف الشهداء وعشرات آلاف المصابين على مدى ستة أشهر حتى منّ الله عليه بالنصر في شهر رمضان المبارك، وهو نعمة وآية من آيات الله .

إن هذا العصر هو عصر الشعوب وعصر الحريات وحقوق الإنسان، وعصر القضاء على الطواغيت، فالشعوب متى تحركت وقدمت التضحيات فلن تقف في وجهها قوة، ولن تحول بينها وبين تحقيق أهدافها أسلحة ولا جيوش، وهذا هو ثالث الدروس في وطننا العربي وفى شمال أفريقيا، حيث تكتمل المساحة المحررة من مصر إلى تونس مرورا بليبيا .

إن الإخوان المسلمين ليحمدون الله تعالى على هذا النصر ويقدمون خالص التهاني للشعب الليبي البطل، أبناء عمر المختار، الأحرار أبناء الأحرار على فضل الله عليهم بإزاحة الكابوس والتخلص من الطاغوت واستعادة الحرية للوطن والشعب، كما يقدمون التعازي في الشهداء الأبرار الذين بذلوا أرواحهم في سبيل الله لإنقاذ أهلهم ووطنهم من القهر والإذلال ( ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ويَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ )

إن مرحلة الثورة بمرارتها وتضحياتها لا يصح أن تكون سببا لثأر دموي يعمق الجراح ويزيد المرارة ويمزق اللحمة، ولكن لنترك للقضاء العادل أن يفصل في أمر المجرمين والفاسدين، ولنلتفت إلى وحدة الصف ولم الشمل والتوجه إلى بناء الدولة بمؤسساتها وأجهزتها ووثائقها الدستورية والقانونية واقتصادها ونهضتها، فالبناء أصعب كثيرا من الهدم .

إن الشعوب التي عانت من الاستبداد والفساد ثم نعمت بالحرية والاستقرار بعد دفع الثمن الباهظ لا يمكن أن تفرط في حريتها وكرامتها لأي طاغية جديد فردا كان أو مجموعة من الناس، سواء كان بالقهر أو بالحيلة والخديعة، ومن ثم يجب على الثوار في ليبيا وكل مكان أن يتيقظوا لحماية ثوراتهم من سُراق الثورات والمنحرفين بها عن طريقها .

إن الشعوب الثائرة إنما تثور من أجل الاستقلال والحرية والكرامة، ومن ثمّ لا يمكن أن تخلع طاغية محليا لتستبدل به طغيانا أجنبيا، ولذلك يجب الحفاظ على العزة القومية في وجه أي تدخل أجنبي مع الحفاظ على العلاقات الطيبة المتوازنة، خصوصا مع الدول التي دعمت الثورة .

إن هذا الانتصار العزيز والكبير يجب أن يكون درسا لكل المستبدين، خصوصا أولئك الذين لا يزالون يستبيحون دماء شعوبهم ويحاولون قهر إرادة تلك الشعوب وإجهاض ثوراتها، في سوريا واليمن، فخلاصة الدرس أن الشعوب هي المنتصرة – بإذن الله – في النهاية مهما طال الزمن وعظمت التضحيات، والمستبدون ذاهبون إلى لعنة الناس ولعنة التاريخ ولعنة الله، فعليهم أن يرحلوا قبل أن يعم الخراب وتحترق البلاد ويهلك العباد .

( إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وهُوَ شَهِيدٌ )

الإخوان المسلمون

القاهرة فى : 22 من رمضان 1432هـ الموافق 22 من أغسطس 2011م