21/07/2009

من أهداف التربية عند الإخوان تنمية التفكير والوعي لدى الأخ المسلم، ليميز الغثَّ من السمين، والحسنَ من القبيح؛ حتى لا يكونَ عبدَ شهوته من جهةٍ، ولا إِمَّعَةً من جهة أخرى، وقد دأبتْ هذه الجماعةُ المباركةُ على أن يتعوَّد الإخوانُ الذاتيةَ والإيجابيةَ، والطاعةَ البصيرةَ المؤسَّسةَ على معرفة كاملة بما هم قائمون له، على حدِّ قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ائْتُوا الْأَمْرَ مِنْ تَدَبُّرٍ، وَلَا يَكُونَنَّ أَحَدُكُمْ إِمَّعَةً"، قالوا: وما الإمَّعَة؟ قال: "الَّذِي يَجْرِي بِكُلِّ رِيحٍ" (الزهد لأبي داود).

 

ويدرك الأخ المسلم ويتربَّى على أنه لا أحدَ فوق النقد، ولا أحدَ معصومٌ من الخطأ، وعلى الأخ أن يبذل النصيحة بشروطها وآدابها لكل واحد في الجماعة، مهما علا كعبُه، ومهما عظمت مكانتُه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ" قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: "لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" (متفق عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ" (أَبُو دَاوُد)؛ أَيْ أنَّ الْمُؤْمِنُ يُطْلِعُ أَخَاهُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ عَيْبٍ وَيُنَبِّهُهُ عَلَى إصْلاحِهِ، كما قال صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ أَخِيهِ، إِذَا رَأَى فِيهِ عَيْبًا أَصْلَحَهُ" (البخاري في الأدب)، ويرحم الله الإمام الحسن البصري إذ يقول: "المؤمن مرآة أخيه، إنْ رأى فيه ما لا يُعجبُه سدَّده وقوَّمَه وحاطَه وحفظه في السرِّ والعلانية".

 

والأخ المسلم في قيامه بهذا الواجب الشرعي يأبى أن يكون إِمَّعةً، ولا يميل إلا مع الحق، على النحو الذي دعا إليه ابنُ مسعود رضي الله عنه حين قال: "مَنْ جَاءَكَ بِالِّصْدِق مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بَغِيضًا، فَاقْبَلْهُ مِنْهُ، وَمَنْ أَتَاكَ بِكَذِبٍ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، وَإِنْ كَانَ حَبِيبًا قَرِيبًا، فَارْدُدْهُ عَلَيْهِ".

 

فليست الطاعة أو الجندية عند الإخوان قبولاً لكل شيءٍ بلا وعي ولا تمحيص، كما يروِّج خصوم الجماعة، بل هي طاعةٌ مبصرةٌ، تتوخَّى الحقَّ، وتتحرَّى الصوابَ، وتستهدي السبيل.

 

 والأخ المسلم في ظل جماعته المباركة يعرف هدفَه بوضوح، وتلتهب مشاعره وهو يرى واقع الأمة الحاضر، ويتذكَّر مجدَها الغابر، فينطلق ذاتيًّا، ويُعِدُّ العُدَّة، ويأخذ الأُهْبة، ويجدد النشاط في خدمة دينه وأمته ودعوته، ويُسخِّر كل طاقاته وإمكانياته لرفع منارات الإيمان، وهداية الحيارى، وإرشاد التائهين، وفي هذا يقول الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله: "نحن نريد نفوسًا حيَّةً قويةً فَتِيَّةً، قلوبًا جديدةً خفاقةً، مشاعرَ غيورةً ملتهبةً متأجِّجةً، أرواحًا طموحةً متطلعةً متوثبةً، تتخيَّل مثُلاً عليًا، وأهدافًا ساميةً لِتَسْمُوَ نحوها وتتطلعَ إليها ثم تصل إليها، ولا بد من أن تُحَدَّد هذه الأهدافُ والمُثُل، ولا بد من أن تُحْصَر هذه العواطفُ والمشاعر، ولا بد من أن تُرَكَّز؛ حتى تصبح عقيدةً لا تقبل جدلاً ولا تحتمل شكًّا ولا ريبًا".

 

وأيًّا ما كان تقصيرُ الآخرين من إخوانه أو غيرهم في القيام بالواجب وأداء الرسالة؛ فالأخُ المسلم لا يتوقف، بل ينطلق عاملاً في غير كسل، داعيًا من غير ملل، لا يقول أنا مع الناس، بل يتقدم الناس، ويؤدي الواجب، ويُعذِر إلى الله، ويردِّد ما كان يقوله الإمام البنا رحمه الله: "إنَّ الدعوةَ إلى الله علينا فريضةٌ، لا يُخَلِّصنا منها إلا الأداءُ، ولا يُقْبَل فيها عذرٌ ولا هوادة".

 

فيا أيها الإخوان المسلمون.. لا نريد أن يكون الأخ إِمَّعَةً مهتزًّا، يتأثر بكل ما يسمع، بل نريده أن يكون إمامًا وقائدًا وزعيمًا في الخير والحق، ومبتكرًا مجدِّدًا في طرق الدعوة والإصلاح، ومجتهدًا في إرشاد العقول بالبيان والتعليم، وأن يحرِّك الهممَ والعزائمَ إلى التسابق إلى المعالي، وأن يقدم النصيحةَ لإخوانه في إطارها المشروع وبآدابها المعلومة، حتى يحقِّق الله بكم نصر الحق وتحرير الأوطان، ورفع منارة الإيمان، والله معكم بالتوفيق والتسديد والتأييد.

 

وإلى لقاء آخر مع (حديث من القلب) أستودعكم الله، والله أكبر ولله الحمد.

 محمد مهدي عاكف
المرشد العام للإخوان المسلمين