كان مسقلاً أتوبيس قنا سوهاج، ودون سابق إنذار انهالت عليهم مياه السيول المتدفقة من الجبال بالكيلو 110 بطريق قنا سوهاج، ترك المركبة وخرج من إحدى النوافذ وظل يسبح فى المياه الغزيرة ويُخرج العالقين داخل الأتوبيس قبل أن يصل رجال الإنقاذ النهرى وقوات الحماية المدنية، ليلقى حتفه، هو عبد اللاه أحمد عبد اللاه، 27 عاما، ابن قرية نجع الجاحرية بمحافظة قنا.
كان عائدًا من القاهرة ومتجها لقضاء إجازته الأسبوعية مع أسرته بقرية الجحاريد بمركز دشنا لكن قدره أنه استقل الأتوبيس الذى غرق بطريق قنا سوهاج وجرفته مياه الصحراء إلى المنطقة الجبلة، كان قادراً على أن ينجو بنفسه، لكن أخلاقه دفعته أن يخرج بأكبر عدد من الركاب العالقين فى تلك المنطقة الوعرة، وسط ظلام دامس وشلالات من المياه الكاسحة التى ضربت الموقع فى تلك المنطقة، ومنعت رجال الإنقاذ وسيارات الإسعاف من الوصول العالقين داخل الأتوبيس.
تفاصيل حياة عبد اللاه ابن قرية نجع الجحاريد بمحافظة قنا، بدأت بتخرجه من معهد فنى، ثم السفر إلى القاهرة، للعمل فى إحدى المصانع، لمساعدة والده وأسرته المكونة من 4 أشقاء، واستعداده لتجهيز شقته للتقدم إلى أحد أقاربة فى القرية، كان يمتاز بحسن الخلق والطيبة، بين القرية، يجيد السباحة ويمتاز بالصفات الطيبة.
محمد سالم أحد أصدقائه، قال إنه كان طيب الخلق، وكان قادرا على أن ينجو بنفسه لكن شهامته وأخلاقه الذى تربى عليها دفعته للعودة إلى الأتوبيس بعد أن سبح فى مياه السيول، لكنه عاد وبدأ فى إخراج بعض العالقين بعد أن فشلت محاولات رجال الإنقاذ فى الوصول إليهم، وأستمر فى ذلك الأمر 3 ساعات يدخل للأتوبيس ويخرج بعض العالقين ويسبح بهم إلى المنطقة الجبليلة، لكن أصابه التعب وأثناء محاولاته جرفته المياه ولم يستطع أن يسبح حتى غرق.
وأضاف:" تلك الرويات تحدث بها الناجون عندما ذهبنا لاستلام جثته من المستشفى، وكان عائدا لقضاء إجازته من القاهرة، لكن سبحان الله ربنا أراد أن يموت شهيدا، بسبب مياه السيول، ويطبق عليه حديث النبى من مات غريقًا فهو شهيد.
شعبان محمود أحد أصدقائه فى العمل الذى جاء من القاهرة لتشيع جثمان صديقه الذى غرق فى مياه السيول بعد أن أنقذ العشرات من ضحايا أتوبيسين جرفتهم مياه السيول، قائلاً:" هو أخويا وصديق عمرى، وأنا مش مصدق إنى مش هشوفه تانى، لكن فرحت إن ربنا اختاره ليكون من الساعين لنجدة المحتاج.. كان يجيد السباحة رحمه الله عليه، واستطاع أن ينقذ العالقين فى الصحراء، وتوفى بعد أن داهمه التعب والإجهاد بعدما قدم نموذجا لشاب محترم، فقد حياته من أجل مساعدة ونجدة الآخرين.
وأوصى كل شاب سمع قصة الشهيد عبد اللاه أن يقرأ له الفاتحة ويدعو له، لأنه إنسان كان على خلق كبير، وكان حريصا على أن يتقى الله فى عمله، ويجتهد من أجل مساعدة والده وأشقائه، وطالب بتكريم أسرة الراحل، وأن يطلق اسمه على مدرسة داخل القرية، حتى تتذكر الأجيال ما قام به من تضحية لإنقاذ ضحايا السيول بمحافظة قنا.
خالد إبراهيم أبن عم الضحية قال:" والله فقدنا الرجولة والشهامة والجدعنة، كان ممكن ينجو بنفسه، والله رغم إن الجرح كبير والفراق صعب، كنا عملنا فرح لأنه شهيد، ربنا كرمه واختاره بعد أن أنقذ العشرات من المواطنين العالقين فى الأتوبيس، ومنتظرش يشوف الأطفال بتصرخ والسيدات محتجزة والمياه تداهمهم من كل مكان ونزل يصارع المياه والأمواج ويخرج بببعض الأطفال والكبارـ، لكنه فى النهاية، المياه المتدفقة من الجبال جرفته ولم يستطع مقاومتها حتى غرق وانتقل إلى الرفيق الأعلى، رحمة الله عليه.
وأضاف:" سنخلد اسمك يا بطل حتى يعرف صغيرنا وكبيرنا من هم بقريتنا وخارجها من هو ( عبداللاه مدنى ) صاحب المواقف المشرفة الذى عاش كريما ومات بطلا شهيدا، مواقفك سنتعلم منها وسوف نعلمها لأبناءنا إن شاء الله، كيف كنت فى حياتك صاحب مشرف وكيف كانت آخرتك يا بطل فخر لقريتك، عندما يذكر اسمك أشعر بالفخر أنى كنت من أحد أصحابك، نحتسبك عند الله من الشهداء وأن يجعل الله قبرك روضة من رياض الجنة، أسكنك الله الفردوس الأعلى يا بطل.