مركز الدراسات التاريخية "ويكيبيديا الإخوان المسلمين"
12 من أكتوبر 1992 م ، زلزال عنيف يضرب القاهرة، ويخلِّف قتلى ومصابين بأعداد كبيرة.. وقد نجحت جماعة الإخوان المسلمين بحكم انتشارها الشعبي والمجتمعي فى الوصول إلى أماكن الكوارث قبل وصول السلطات الرسمية بساعات، وقد قامت بدور أساسى وفاعل فى إنقاذ العشرات من الموت، ومد يد العون للمشردين ممن تهدمت بيوتهم وصار الشارع مأوى لهم.
وقد قررت الدولة منذ ذلك الوقت التدخل (لتقليم أظافر الجماعة)؛ حيث قامت بدور الحكومة، وصارت دولة داخل الدولة حسب زعم المسئولين.
ففى 1992/10/12 وقعت كارثة الزلزال الذى أصاب مصر وقد ذكرت جريدة الحياة فى عددها الصادر فى 1992/10/16 أن نقابة المهندسين شكلت لجنة من جانبها فور وقوع الزلزال لجنة تضم 10 من كبار أساتذة الجامعات وقيادات النقابة فى مجالات الهندسة المدنية والمعمارية للإشراف على عمليات تقويم أحوال المنشآت والعمل على معالجة آثار الأضرار التى لحقت بها.
كما وجهت نداء إلى أعضائها للحضور إلى مقر النقابة بالقاهرة للمساهمة فى دراسة البلاغات التى تقدم بها المواطنون فى هذا الشأن واستطاع أعضاء المجلس إحضار مالايقل عن 500 مهندس متخصص للقيام بدور من دون مقابل، ولوحظ أن الإستجابة الفورية لنداء النقابة جاءت بنسبة أكبر من جانب المهندسين المنتمين إلى التيار الإسلامى.
واستطاعت نقابة المهندسين جذب بلاغات المواطنين إليها وإلى النقابات الفرعية التابعة لها، بما يعكس دورها فى التضامن مع الجماهير الذين تضرروا من آثار الزلزال بصورة عملية وفعالة، كما صرفت النقابة العامة للأطباء إعانات عاجلة من موازنتها لأسر المتوفين بواقع "200" جنيه ووزعت "لجنة الإغاثة الإنسانية بالنقابة" 30 الف جنيه فى صورة أدوية ومعونات للمصابين، وتم تجهيز وجبات جاهزة لتوزيعها على المصابين فى المستشفيات.
وارسلت النقابة مندوبيها من التيار الإسلامى إلى حى مدينة السلام فى شرق القاهرة، حيث يتم إيواء المتضررين من الزلزال ليكونوا إلى جوارهم فى تقديم هذه المعونات، وأعلنت نقابة المهندسين والأطباء فى الوقت نفسه عن فتح حسابات بالبنوك لقبول التبرعات للمنكوبين.
وحرص مندوبو "الإخوان المسلمين" على أن يكونوا إلى جوار منكوبى الزلزال وقدموا لهم معونات مادية وأطعمة وعاونوهم فى نقل الأثاث وكان مظهرهم واضحاً من خلال اللحى وعبارات المواساة الإسلامية فى مثل هذه المناسبات، ولم يكن هناك دور حقيقى للجمعيات الخيرية التابعة لوزارة الشئون الإجتماعية التى تقدر بأكثر من 3 آلاف جمعية على مستوى الجمهورية.
وقد ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن الجماعة الإسلامية "الإخوان" قاموا بتعبئة أنفسهم لتقديم مساعدة متواضعة لكن سريعة للآلاف من الفقراء والبسطاء الذين يشكلون غالبية منكوبى الزلزال العنيف الذى ضرب مصر.
ومنذ الهزة الأرضية التى وقعت الاثنين الماضى انتشر الإسلاميون فى كل مكان فى الأحياء الشعبية التى تضم غالبية شكان القاهرة البالغ عددهم 15 مليون نسمة موزعين يوما بعد يوم شعبيتهم بين السكان ويقدم الإسلاميون مساعدة مالية لأسر الضحايا.
وتُوزع المساعدات الإسلامية عن طريق نقابة الأطباء التى تهيمن عليها جماعة الإخوان المسلمين غير المعترف بها بنسبة 75%.
وقد مثل دور الإخوان فى الزلزال والنشاط الذى قاموا به لاحتواء نتائجه الاجتماعية أحد أهم الأسباب التى غيرت نهج النظام فى تعامله مع الإخوان ، وكان الزلزال بداية إلقاء الضوء على خطورة تواجد الإخوان فى النقابات المهنية.
فيقول أحد الباحثين:
"شكلت الهزة الأرضية التي طالت مصر في العام 1992 حدثا آخر لم يكشف للدولة عن مدي قوة الهيكل التنظيمي للإخوان وحسب بل أظهر كيف يمكن أن توظف تلك القوة سياسيا أيضا فمرة أخري وظف الإخوان مواردهم في النقابات فضلا عن مواردهم في التنظيم خارج سور النقابات في إنقاذ ضحايا الزلزال فقد استفاد الإخوان من وجودهم داخل نشيج المجتمع.
وفي المناطق الحضرية والريفية مع وجودهم في النقابات للتنسيق بين هذه المساحات والفضاءات لضمان نقل سريع وفاعل لمواد الإغاثة وتسخيرها في إنقاذ الضحايا والفضاءات الحضرية والريفية مع وجودهم في النقابات للتنسيق بين هذه المساحات والفضاءات لضمان نقل سريع وفاعل لمواد الإغاثة وتسخيرها في إنقاذ الضحايا وجري القيام بذلك بطريقة منسقة ومنظمة فاقت أداء الدولة نفسه.
واستنادا إلى عضو ناشط من الإخوان الذين كانوا مسئولين عن إيصال المساعدات من نقابة الأطباء إلى المناطق المتضررة كان تنفيذ العملية شبه مستحيل دون شبكة الاتصالات التي وفرها التنظيم:
"كيف السبيل إلى الوصول إلى الضحايا لولا أن أعضاءنا الذين يقيمون في تلك المنطقة أعطونا فكرة عن حجم الأضرار؟ من خلال هؤلاء المعارف في الجماعة تمكنا من نقابة الأطباء من توزيع مساعداتنا المالية والعينية بطريقة مناسبة وإلا لما كنا سنعرف المحتاجين وماذا يحتاجون".
واستحوذ أداء الإخوان في أثناء الهزة الأرضية على الانتباه داخل مصر ولكن ما أزعج النظام أنه أستحوذ على الانتباه في الخارج أيضا فقد أشارت وسائل الإعلام الغربية إلى التباين بين نجاح الإسلاميين وفشل النظام في إنقاذ الضحايا واستخدمت ذلك في التلميح إلى إمكانية وصول الإسلاميين إلى السلطة في مصر وهذا النجاح.
بالإضافة إلى الأخبار التي تحدثت عن اتصالات وحوار بين مسئولين أمريكيين وقيادة الإخوان المسلمين عمّق لا شك من مخاوف النظام وقد كان مبارك في زيارة إلى الصين لما وقع الزلزال فعاد إلى مصر على الفور ليس بالضرورة من أجل الإشراف أو تنسيق الجهود التي تبذلها الدولة وإنما لأنه بدا قلقا من اهتزاز وتشوه صورته في الخارج.
ولم تتفاقم مخاوف مبارك من التقارير الإخبارية التي كانت تذيعها محطة " سي. إن . إن " ومحطة " بي . بي. سي " وحسب . اللتان سلطتا الضوء على إنجازات الإسلاميين وعلى تأثيرهم المتنامي في المجتمع المصري بل مما اعتبره استغلال سياسيا من جانب الإخوان للزلزال؛ ففي غمرة جهود عملهم الإغاثي رفع الإخوان على الخيام التي كانوا ينصبونها للمتضررين وعلى واجهات مقرات ومراكز الإغاثة شعار "الإسلام هو الحل" وهو الشعار الذي استخدمته الجماعة خلال حملتها السياسية في انتخابات العام 1987.
ويضيف الباحث:
لقد بدأ للنظام أن الإخوان في النقابات يعملون كـ " حكومة ظل " أو كما قال أحمد النحاس وهو عضو في الإخوان وأمين صندوق نقابة المهندسين في الإسكندرية إن النقابات صارت هي " المتحدث السياسي " باسم الإخوان المسلمين؛ ولم يقتصر هذا التصور للنقابات في أثناء حرب الخليج أو حادثة الزلزال وحسب بل في القضايا العامة الأخرى أيضا فحسب اعتراف النحاس :
"بالفعل وفرت لنا النقابات فضاء أو منبرا سياسيا يحظي بشرعية قانونيو وموارد إعلامية فمن خلال هذه النقابات أمكننا نشر صحف يومية ومجلات كما نريد دون تعقيدات الحاجة إلى الحصول على رخصة لو أننا تقدمنا إليها كجماعة إخوان مسلمين وأقول إن هذه الامتيازات التي وفرتها لنا فضاءات النقابات هي التي جعلت النقابات تعمل كمتحدث سياسي لنا ثمانين بالمئة من الوقت ".
وصحيح أن قوانين العمل النقابي تقر بالدور السياسي للنقابات وهو دور كان قائما قبل أن يسيطر الإخوان على النقابات وشاهدنا مثلا كيف لعبت نقابة المحامين التي كان يسيطر عليها القوميون في الثمانينيات دورا نشطا في معارضة اتفاقية السلام التي أبرمتها مصر مع إسرائيل (راجع الفصل الثاني) واستخدم القوميون النقابات كمنابر لتنظيم اللقاءات وعقد المؤتمرات حول هذه القضية؛ وبناء على ذلك يرفض عصام حشيش وهو أخ بارز في نقابة المهندسين الفكرة التي تقول إن الحركة قامت بتسييس النقابات ويقول إن الإخوان استخدموا حقهم الدستوري في إثارة القضايا السياسية ومناقشتها كما كان عليه الحال في الماضي.
ولكن يبقي وجه الاختلاف في حالة نقابة المحامين والقوميين هو أن الإخوان الذين يسيطرون على النقابات ليست لهم شرعية قانونية وبالتالي ينظر النظام إلى أنشطتهم بحساسية أكبر ولا سيما أن الآراء بقدر ما كانت في أغلب الحالات إن لم يكن جميعها يعبر عن آراء التنظيم خارج سور النقابة.
وكشفت أماني قنديل أنه في أعقاب الدور السياسي الذي لعبه الإخوان في أثناء حرب الخليج وفي أثناء حادثة الزلزال والسقوط المفاجئ لنقابة المحامين في يد التنظيم في العام 1992 طلب منها مسئول أمني رفيع المنصب في الحكومة المصرية كتابة تقرير سري عن الإخوان المسلمين وعن استراتيجياتهم التي يستخدمونها في التأثير في النقابات.
وحسب أماني قنديل :
" من الواضح أن النظام لم يكن يعرف شيئا عما يجري داخل النقابات لكنه شعر بالانزعاج والحيرة بسبب قدرة الإسلاميين على تأمين أغلبية في انتخاباتهم داخل النقابات حاولت في تقريري الذي رفعته إلى النظام تحديد آليات التأثير التي يملكها الإخوان وشرح السبب الذي جعل منهم قوة شرعية في النقابات ".