كلما هل هلال شهر المحرم تطلعت القلوب للمهاجرين ، واشرأبت النفوس للانصار ، ووتأهبت الارواح لاستقبال نسمات الايمان ونفحات القرأن
ثلاث فقرات في ثلاث ايات تتحدث عن ثلاث انواع من البشر ، وتخبر عن مكنونات الاجيال المتلاحقة عبر الزمان والمكان ...!! كيف "

أولا :

" للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم واموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله اولئك هم الصادقون " الحشر
لا تحجبهم ظروف ، ولا تقعدهم شدة ، ولا يمنعهم عوز ، انهم فقراء ، أخرجوا إخراجا من بيوتهم وأموالهم ، وقتلوا تقتيلا في مجتمعاتهم ، غدرا وعنادا ، ظلما وعدوانا تحملوا كل ذلك بفضل الله عليهم ، وفعلوا كل ذلك ابتغاء مرضاته ، ورضوا بكل ذلك نصرة لله ورسوله ، وصدقوا فيما قالوا وصدقوا فيما فعلوا لذلك ختمت الاية بقوله تعالي   " اولئك هم الصادقون "
ملحمة من العطاء والاخلاص والصدق تجسدت في المهاجرين ، الذين اضطهدوا وقتلوا واوذوا في سبيل الله حتي اذن الله لهم بالهجرة فتخلوا عن دورهم واموالهم واغراضهم طواعية لله ورسوله ونصرة لله ورسوله وحبا لله ورسوله ....

روى ابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال :
هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله قالوا الله ورسوله أعلم قال أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم الثغور ويتقي بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء فيقول الله عز وجل لمن يشاء من ملائكته ائتوهم فحيوهم فتقول الملائكة نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا ان نأتي هؤلاء فنسلم عليهم قال انهم كانوا عبادا يعبدوني لا يشركون بي شيئا وتسد بهم الثغور ويتقي بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء قال فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب "  سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار "

 ثانيا :

"والذين تبوأوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولايجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا ويؤثرون علي انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " الحشر

انصار الرحمن وملوك الايمان وأولي الاحسان ، انهم الانصار الذين استقبلوا المهاجرين عن حب واخلاص وايثار ، انظر الي التعبير القرآني الرائع  " تبوأوا الدار والايمان "  كما تدخل بيتك اذا اشتدت الرياح وتكاثرت الغيوم وهطلت السماء ، هم يدخلون الي ايمانهم فيحتمون من قسوة الحياة وظلم الاعداء وبلايا الايام ،

ليس في صدورهم حاجة غير الرضي ، وليس في قلوبهم شئ غير الحب ، وليس في نفوسهم شئ الا الاشراق  لاستقبال اخوانهم من المهاجرين
انها ملحمة اخري من الايمان والاحسان والعرفان والايثار ...!!

لذلك اثني عليهم رسول الله صلي الله عليه وسلم
وقال : لولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار ...  كيف ؟

عن أبي سعيد الخدري . قال : لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا ، في قريش وفي قبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم ؟ حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم : لقد لقي والله رسول الله قومه ، فدخل عليه سعد بن عبادة ، فقال : يا رسول الله ، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم ، لما صنعت في هذا الفيء  ،  الذي أصبت ، قسمت في قومك ، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء .

قال : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ قال : يا رسول الله ، ما أنا إلا من قومي . قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة . قال : فخرج سعد ، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة . قال : فجاء رجال من المهاجرين فتركهم ، فدخلوا ، وجاء آخرون فردهم . فلما اجتمعوا له أتاه سعد ، فقال : قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : يا معشر الأنصار : ما قالة ، بلغتني عنكم ، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم ؟ ألم آتكم ضلالا فهداكم الله ، وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم قالوا : بلى ، الله ورسوله أمن وأفضل . ثم قال : ألا تجيبونني يا معشرالأنصار ؟ قالوا : بماذا نجيبك يا رسول الله ؟ لله ولرسوله المن والفضل . قال صلى الله عليه وسلم : أما والله لو شئتم لقلتم ، فلصدقتم ولصدقتم : أتيتنا مكذبا فصدقناك ، ومخذولا فنصرناك ، وطريدا فآويناك ، وعائلا فآسيناك . أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا . ووكلتكم إلى إسلامكم ، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده ، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا ، لسلكت شعب الأنصار . اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار . وأبناء أبناء الأنصار .

قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا : رضينا برسول الله قسما ، وحظا . ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتفرقوا .


ثالثا :

" والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفرلنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم "  الحشر
تواصل الاجيال ، وتتابع الآمال ،الذين يأتون من بعدهم علي نفس المنوال ، يدعون للسابقين الذين زرعوا شجرة الايمان وسقوها بعرقهم ودموعهم ودمائهم ليستظل بظلها الاجيال اللاحقة ، فيدعون لهم بالمغفرة شكرا لغرسهم وعرفانا بفضلهم وحبا لفعلهم وامتنانا لصبرهم وجلدهم ، ثم يتبرأون من الغل ويدعون الله ان يخلصهم منه - ان وجد - لانه مدمر للطاعات ، مزيل للحسنات ، منشط للصراعات ..!!
وما يحدث للمسلمين الان من ضربات في كل الاتجاهات انما منشأه حقد العملاء وغدر الاعداء والحال ابلغ من المقال ...!!

توقفت الهجرة بمعناها الجغرافي واستمرت بمعناها المعنوي  ..!! " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية " صحيح
 لذلك ليست الهجرة أنتقال شخص من ارض مجدبة الي ارض خصبة ، وليست انتقال من بلد ناء الي بلد قريب ، وليست افواج سياحية او ساعات ترفيهية ، وانما كان المهاجر يخرج من بيته وهو يعلم انه قد يهلك اول الطريق او اخره ، لكنه كان يقدم لله يدفعه ايمانه ويشده احسانه ويظله اخلاصه ، اما الان فالهجرة هي هجرة النفوس فبل البيوت ، هجرة الارواح قبل الابدان ، هجرة القلوب قبل القصور ، ان رجل هاجر وهو مريض عاجز ، فادركه الموت في الطريق ، فقال الناس ليته وصل المدينة كان قد حاز الاجر كله ، فانزل الله قرآنا يتلي حتي انقضاء الحياة " يطمئن القلوب ويهدي النفوس ويضع النقاط فوق الحروف ويربط الاعمال بالنيات ...
" ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الارض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا الي الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره علي الله
وكان الله غفورا رحيما " النساء

عن أم أنس رضي الله عنها قالت: و
 يا رسول الله أوصني
قال صلي الله عليه وسلم :
اهجري المعاصي فإنها أفضل الهجرة وحافظي على الفرائض فإنها أفضل الجهاد وأكثري من ذكر الله فإنك لا تأتين الله بشيء أحب إليه من كثرة ذكره
 الطبراني
  
اللهم خذ بنواصينا اليك ، اخذ الكرام عليك ...
اللهم اجعلنا لك ذكارين شكارين منيبين مخبتين

خميس النقيب