إبراهيم بدوي
- إن التحدي الذي أعلنه من يُدعى ( شاومنج ) من أول لحظة أثبت الهشاشة والضبابية والعشوائية والتخبط ... الخ الذي تدار به ما يسمونه المنظومة التعليمية في مصر . فلقد تم الإعلان عن تأجيل بعض مواد الثانوية العامة (الثيِّب) التي تمكن شاومنج من فض عذريتها داخل وزارتها . وذلك لعدم القدرة على وقف نزيف التسريبات .
- حقيقة ، إن ( شاومنج ) هذا ما هو إلا إسماً حركياً لليد التي تعبث داخل المنظومة التعليمية لتأتي بنيانها من القواعد ولتقضي على الأخضر واليابس فيها ، ولتفقد الثقة في التعليم الحكومي ، ولإخراج جيل لا يعرف للانتماء والوطنية سبيلا . والدليل على ذلك أنه تم القبض على من يُدعى ( شاومنج ) في معظم المحافظات وبالرغم من ذلك لم يتوقف نزيف ( التسريبات ) . ففكرة ( شاومنج ) هي نفسها فكرة ( الإرهاب المحتمل ) وفكرة ( قوى الشر ) وفكرة ( التآمر الخارجي ) ومثل هذه المصطلحات التي يعلق عليها كل فاشل فشله .
- إننا في كل عام نرى طحناً ولا نرى طحيناً . الطحن الذي أعنيه هو شبح الثانوية العامة الذي يُلقي بظلاله على الأسرة المصرية والتي يُثقل كاهلها بالنفقات على الدروس الخصوصية في ظل الغياب المتعمد لدور المدرسة والخوف على مستقبل الأولاد . والطحين الذي أقصده هو هذا الطالب الذي من المُفترض أنه تلقى قسطاً من التعليم والتثقيف والقيم والمُثُل في أكثر من عِقد من الزمان تؤهله لكي يكون مواطناً صالحاً لديه قيم ومبادئ يحترمها الجميع . فلا ينتهي الطحن ولا نحصل على الطحين الذي يتمشى مع متطلبات العصر ومع قيم المجتمع ومع مبادئ الدين الحنيف . فنحن من خلال النتائج والمُخرجات وجودة المُنْتَج نستطيع أن تحكم على المنظومة بأكملها .
- إن هذه المقدمة البسيطة هي الوصف الدقيق لما وصل إليه حال التعليم في بلادنا وخاصة التعليم ما قبل الجامعي . فنحن في فوضى ( المُولد ) وبهرجة ( الزَّفة ) وحال ( الثيِّب ) التي فض عُذريتها ( شاومنج ) وشاركه في ذلك ( الفسدة ) الذين ما يهمهم سوى النفع المادي والمصلحة الشخصية .
- لابد وأن يعلم وزير التعليم أن امتحانات الشهادة الثانوية قد فقدت عُذريتها على يد رجال وزارته والنتيجة التي سيقوم باعتمادها وإعلانها ليست ( بكراً ) كما يتوهم من يعملون في هذه المنظومة . أليس هم من سربوا كشوف نتيجة الثانوية العامة العام الماضي قبل اعتمادها ؟ أليس هم من يفصِّلون اللجان لأصحاب الحظوة والنفوذ طمعاً في الثراء الفاحش ؟
- إن الكل يُعاني من تردِّي أحوال التعليم في مصر ، الآباء وأولياء الأمور يُعانون ، المدرسون يُعانون ، الطلاب يُعانون ، وحتى الجهات الرقابية ومن بيدها مقاليد الأمور تُعاني والكل يدور في حلقة مُفرغة لا يعلم أين الخلل ولا كيف السبيل للخروج من هذه الأزمة التي تهبط بأمتنا إلى الهاوية وكأن هناك أصابع خفية تُحرك هذه المنظومة بأكملها ولا تريد أن تقوم لها قائمة . وفي صباح كل يوم نسمع من القرارات العنترية التي تُوحي بأن هناك جهوداً جبارة من شأنها إصلاح منظومة التعليم المصري والنهوض بالعملية التعليمية ولكن الواقع غير ذلك تماماً .
- ففي التعليم الابتدائي تتفشي ظاهرة الغش المُمَنْهَج والمُقَنَّن مما ينتج عنه تلاميذ لا يستطيعون أن يجتازوا اختبار الإملاء ( القرائية ) وهذا باعتراف وزير التعليم نفسه وفي تقارير المنظمات الدولية التي تقول بأن مصر تحتل المكانة الأخيرة في جودة التعليم الأساسي .
- وفي المرحلة الإعدادية التي تعتبر بداية مرحلة المراهقة فحدِّث ولا حرج عن التسيب والتردي العلمي والأخلاقي . ويكفينا للتدليل على صحة ذلك ما حدث في امتحانات الشهادة الإعدادية العام الماضي عندما قام الطلاب بتجريد مُعلمة من ملابسها وتصويرها لأنها لم تسمح لهم بالغش .
- وفي المرحلة الثانوية يصل مُنحنى التردي لأعلاه في ظل النظام التعليمي القائم على الحفظ والتلقين حيث نجد عزوف الطلاب عن المدارس ونجد تردي الجانب الأخلاقي لمن يحضر منهم إلى المدرسة . فطلاب الصف الأول والثاني الثانوي يَمُنُّون على إدارة المدرسة بحضورهم إليها وإدارة المدرسة تُدين بالجميل لمن يحضر من الطلاب فهم يُمثلون ورقة التوت التي تُواري سوأتهم أمام الزوار والمتابعين .
- أما طلاب الشهادة الثانوية ( الصف الثالث الثانوي ) فكل علاقتهم بالمدرسة تتمثل في استلام الكتب المدرسية في أول العام الدراسي ، وتحرير استمارة الثانوية العامة في نهاية العام الدراسي وذلك بعد مناشدتهم عن طريق مدرسي الدروس الخصوصية وأحياناً عن طريق مُكبِّرات الصوت في المساجد .
- فهل ما يحدث هذا بعيداً عن أعين المسئولين والزوار والمتابعين الذين يأتون إلى المدرسة يومياً وهي خاوية على عروشها ثم يرفعون التقارير بأن نسبة الحضور تفوق 90 % ولا يُسمح لهم بغير ذلك وإلا علاما ستتقاضى هذه المنظومة بكاملها رواتبها ومكافأتها ؟ .
- وفي ظل فقدان هذا الولاء للمدرسة وللمعلمين نجد المُعاناة السنوية في امتحانات الثانوية العامة ، فالطالب يعتبر أن الغش حقاً مُكتسباً لعدم استفادته شيئاً من المدرسة طوال العام فلقد أنفق أموالاً طائلة على الدروس الخصوصية ويريد أن يحصل على أعلى الدرجات بأي وسيلة مشروعة كانت أو غير مشروعة . فالطالب يتبجَّح وأحياناً يُهدِّد مُدرساً لا حيلة له ولا حماية في محافظة لا يعرفه فيها أحد ولا هو يعرف فيها أحد . فنجد الطالب يبتكر في وسائل الغش الإلكترونية مع شيوخ المهنة الذين انقطعت صلتهم بالتكنولوجيا بعد ( الراديو الترانزستور ) وبالتالي يحتدم الصراع والتحدي مع هذا الجيل العنيد الذي لا يقبل الهزيمة . وهكذا ندور في حلقة مُفرغة كل عام .
- ما أود أن أقوله أن هذا مخطط مرسوم ومقصود لتدمير التعليم في مصر بدأ من عشرات السنين لأن الجميع يعلم أنه لو انصلح حال التعليم في مصر ستتغير وهم لا يريدون لها تغييراً ، يريدونها أن تظل في هذا التردي وهذا السُّبَات العميق بل وتُنفق الملايين ولن أكون مُبالغاً إذا قلت المليارات لكي يظل هذا الوضع كما هو .
- فلو دللنا على صدق ما نقول بمثال واحد نجد أن هناك ما يُسمى ( كنترول الثانوية العامة ) الذي يُعتبر مكمن الفساد وانتشار الغش والواسطة والمحسوبية وإهدار المال العام حيث يتم من خلاله توزيع ملاحظين معينين على لجان معينة لخدمة فئة معينة من الطلاب . ومن الغريب أن لجنة الإدارة بكنترول الثانوية العامة لا يدخلها إلا أصحاب الحظوة والنفوذ وذلك للامتيازات المادية والأدبية التي يحصل عليها من يصل إلى هذا المكان .
- وللتأكيد على ذلك فإن أخبار كنترول الثانوية العامة ( المالية والإدارية ) تُعتبر من الموضوعات التي لا يجب تناولها ولا يجب الاقتراب منها سواء بالنشر أو المناقشة . فلا تجد معلومة دقيقة في هذا المجال . ولا تجد خبراً في صحيفة أو قناة يتناول هذا الشأن . فالأموال تُنفق بلا ضابط وبلا حساب لا لشئ سوى أن يظل الوضع كما هو وأن يظل الطحن مستمراً ولكن بلا طحين .
والحل يكمن في :-
1- تصحيح مسار المنظومة التعليمية والاهتمام بمكانة المعلم المادية والأدبية والمهنية والحرص على تدريبه التدريب الفعلي الكافي ليواكب تطورات العصر .
2- تطوير المناهج التقليدية العقيمة القائمة على حفظ واسترجاع المعلومة وذلك يكون بتحويلها لمناهج رقمية ( تدريساً وتقويماً ) تتمشى مع متطلبات العصر .
3- سَن وتفعيل القوانين التي من شأنها تصحيح مسار العملية التعليمية والنهوض بمثلث العملية التعليمية ( المعلم – الطالب – المدرسة ) .
4- سَن وتفعيل القوانين التي تضبط الالتحاق بالجامعات من قدرات وعوامل مؤهلة مع إعادة النظر في نظام التنسيق بوضعه الحالي .
* وهذا قليل من كثير وغيض من فيض مما ينبغي أن يكون ، فهذه النقاط الأساسية تُعتبر بمثابة مُقدمة لإثبات النوايا الحسنة لإصلاح التعليم . وقبل ذلك فلن تقوم للتعليم قائمة .
- حفظ الله مصر وقيض لها من المخلصين من يعملون على نهضتها ورفعتها فنهضة مصر هي نهضة للعالم العربي والعالم الإسلامي بأسريهما .
- ويكفيك أن تشاهد هذه الدقائق البسيطة التي أذيعت في برنامج رسمي ( البيت بيتك ) لتحكم بنفسك على المنظومة التعليمية برمتها .