بقلم / محمد عبد الرحمن صادق
- تحدثنا بفضل الله تعالى في الجزء الأول من هذا الموضوع عن :-
- مفهوم الطاقة ومدى مطالبتنا بحسن استغلالها وتوظيفها التوظيف الأمثل .
- كما تحدثنا عن تشخيص الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية من إهدار الطاقات .
- وكذلك تحدثنا عن أهمية تضافر الجهود واستغلال الطاقات .
وبقي لنا أن نتحدث في الجزء الثاني والأخير من هذا الموضوع عن :-
- خطورة إهمال الطاقات .
- ثم نماذج لاستغلال الطاقات .
- وأخيراً ضوابط وتوصيات يجب مراعاتها في هذا الموضوع .
ثالثاً : خطورة إهمال الطاقات : إن الطاقة هي قوة ضاغطة ولابد وأن تجد مُتنفساً مناسباً لتصريفها وإلا تحولت إلى طاقة مدمرة لنفسها ولمن حولها . والطاقة التي لا توظفها لصالحك سيوظفها غيرك للقضاء عليك . فإذا نظرنا إلى حجم إهمال الطاقات في الأمة الإسلامية لرأينا عجباً ، فكل طاقة لا تستغلها الأمة لصالحها ، يتلقاها أعداء هذه الأمة ، ويفتحون لها كل الأبواب ، ويهيئون لها كل الفرص والإمكانيات ، ويُغدقون عليها كل المزايا المادية والمعنوية . ويتضح ذلك جلياً في تلك العقول المهاجرة التي هجرت أوطانها وتركت ديارها لأنها لم تجد من يأخذ بيديها ، ولأنها لم تجد من يتبني طاقتها فغردت وأبدعت في غير موطنها .
- انظر إلى عدد العلماء والمشاهير والمبدعين في كافة التخصصات وتذكر يوم أهملت طاقاتهم وإبداعاتهم فخرجوا من تحت عباءتك ورفضوا الوقوف تحت رايتك بل تحولوا إلى ألسنة حِداد وخناجر مسمومة تصوَّب نحوك .
- يكفيك أن تعلم أن مصر وحدها قد هاجر منها ما يقرب من نصف مليون من حملة المؤهلات العليا من الماجستير والدكتوراه ، برز منهم حوالي 1000 عالم في تخصصات نادرة جداً .
- ويكفيك أن تعلم أن مصر وحدها قد هاجر منها أكثر من 10 آلاف مُبرمج إلى الدول الغربية خلال السنوات الماضية ، نصفهم ذهبوا إلى أوروبا ثم تستورد مصر من أوروبا نتاج إبداعات أبنائها . وقس على ذلك كل المجالات ( اقتصادية – سياسية – دينية – تربوية ......... الخ ) .
- إننا لسنا في موقف مُحاسبة ولكن نضرب من الأمثلة ما يأخذ بأيدينا إلى الصواب وما يجعلنا نعذر أنفسنا أمام الله تعالى وكلنا يقين بأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء .
رابعاً : نماذج لاستغلال الطاقات : إن ديننا الحنيف قد علمنا كيف نبدع في استغلال أبسط الإمكانيات ونوظفها التوظيف الأمثل وذلك بوضعها في مكانها المناسب . فالإسلام عندما حرَّم الميتة لم يحرِّم جلدها وكذلك لم يحرِّم عظامها ، فهناك من يتأفف من التعامل مع الميتة فيلقيها في مكان لا يشم لها رائحة ولا تبصرها عيناه ، وهناك من يتلقفها حين موتها فيُخرج من جلدها بِساطاً قيِّماً ومن عظامها أدوات ثمينة .
- إنه لا يجب علينا أن نترك الغافل لغفلته ، ولا يجب أن نترك الكسول لكسله ، ولا يجب أن نترك النائم حتى يغط في نومه فيكون هو والميت سواء . وتاريخ أمتنا الإسلامية حافل بنماذج رائعة لتوظيف الطاقات بل تفجير الطاقات ورعايتها ، ومن أمثلة ذلك :-
1- الكليم موسى عليه السلام يستفيد من فصاحة أخيه هارون : فعندما أُمِرَ موسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون ، كان طلبه من الله تعالى أن يأذن له باصطحاب هارون عليه السلام معه وذلك لفصاحته وبلاغته . قال تعالى : " وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي {29} هَارُونَ أَخِي {30} اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي {31} وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي {32} كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً {33} وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً {34} إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً {35} " ( طه 29 – 35 ) . فلا يحط من قدرك أن تطلب العون والمدد ، بل يُعلي من شأنك أن تعترف بقدرتك وتحدد احتياجاتها وما تفتقر إليه ، ليس هروباً من المسئولية ولكن لإتمامها بنجاح .
2- ذو القرنين يُفجر الطاقات ويُلهب الحماس ويقود الجميع : فعندما طٌلِب منه أن يبني السد لم يفتخر بخبرته ، ولم يغتر بقوته ، بل أراد أن ينقل هذه الخبرة لغيره وأن يوظف هذه القوة بطريقة عقلانية لا تجعلها تتبدد وهم نيام . قال تعالى : " قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً {94} قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً {95} آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً {96} فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً {97} قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً {98} " ( الكهف 94 – 98 ) .
3- توظيف النبي صلى الله عليه وسلم لأسرى بدر من المشركين لمحو أمية المسلمين : عن الشعبي قال : " كان فداء أسارى يوم بدر أربعين أوقية فمن لم يكن عنده أمره أن يعلم عشرة من المسلمين الكتابة ". وعلل الماوردي ذلك بقوله : " وكانت العرب تعظم قدر الخط حتى قال عكرمة : بلغ فداء أهل بدر أربعة آلاف حتى إن الرجل ليفادي على أن يعلم الخط ، لما هو مستقر في نفوسهم من عظم خطره وجلال قدره وظهور نفعه وأثره " .
4- توظيف النبي صلى الله عليه وسلم للنساء فيما يتفق مع قدراتهن وطبيعتهن : ففي الحروب تم توظيف النساء والاستفادة من قدراتهن في سقي الجنود ، وتمريض الجرحى ، ومناولة السهام . وفي السلم تم توظيف النساء والاستفادة من قدراتهن في ختان الإناث وتفقيه المسلمات بأمور الدين .... الخ .
- هكذا فعل الأنبياء في توظيف الطاقات وحسن استغلالها ، وهكذا يفعل من يسير على دربهم إلى يوم القيامة ، فهل نجل لأنفسنا نصيباً من هذا الزاد حتى نكون حلقة متينة في هذه السلسلة ؟
- خامساً : ضوابط وتوصيات :
- إياك من تلبيس إبليس في أن تتهم نفسك بقلة الخبرة ، أو تتهم غيرك بعدم استغلالهم لقدراتك .
- إياك من جلد الذات والنظر إليها نظرة دونية تحقرها وتحط من قدرها . فالفرق شاسع وكبير بين تحقير الذات ونقد الذات ، فالأولى توردها المهالك والثانية ترتقي بها وتخففها مما قد يكون قد علق بها .
- إياك من تخذيل الآخرين والاستهانة بقدراتهم وأن تكون أن سبباً في تعطيلها ووأدها في مهدها .
- إياك من العشوائية وعدم التخطيط فلا يكفيك أن يكون لك من كل بستان زهرة إلا بعد أن تمتلك بستاناً من الزهور . فصوب هدفك نحو تخصص معين وابذل فيه ما لم يبذله غيرك وأضف عليه ما لم يضفه غيرك .
- إياك من طول الأمل والتسويف . يقول ابن الجوزي رحمه الله : " إياك والتسويف فإنه أكبر جنود إبليس " .
- تذكر دائماً قول الله تعالى : " وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً {66} وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً {67} وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً {68} وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً {69} ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً {70} " ( النساء 66 – 70 ) .
- وتذكر دائما أن نبيك صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ الله تعالى من " العجز والكسل " .
- وتذكر قول ابن القيم رحمه الله : " من نام على فراش الكسل ، أصبح مُلقي بوادي الأسف " .
----------------------------------------------------------------
- أسأل الله تعالى أن يوفقنا لأحسن الأعمال فإنه لا يوفق لأحسنها إلا هو وأن يصرف عنا سيء الأعمال فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا هو .