جميعنا نُقابل في حياتِنا اليومية شخصيات لا ترُوق لنا، فالشخصيات الإنسانية فيها السيئة وفيها الحسنة، ولا يوجد شخصية تصل إلى الكمال، فجميعنا ينقصنا شيء في شخصيتنا إلى أن هذا يتفاوت من شخص لآخر، فعندما نُقابل مَن يُثير أعصابَنا، ويُعكر مزاجَنا نبدأ برصد أفكار للتعامل مع هذه الشخصيات حتى لا تُؤثر علينا فيما بعد، ولا تُفسد علينا حياتنا، ومنها الشخصية المُستفِزّة.
ما هي أسرار وخبايا الشخصية المستفزة
المادة المُعجمية لكلمة (مُستفِزّ): هي اسم فاعِل للفعل (استفزّ) وهو الذي يُثير الأعصاب، ويفزعها، ويزعجها، ويهيجها.
تعريف الشخصية المستفزة في علم النفس
هي الشخصية التي يهدف منها صاحبها إلى إثارة شيء ما في نفس الطرف الآخر قولاً أو فعلاً، فهو يعلم الأشياء التي تهيج وتزيد من عصبية الشخص الذي أمامه، فيبدأ بفعل هذه الأشياء عن قصد، وهذا يعود لحالة سلوكية سلبية بداخله، فقد يكون صاحب الشخصية المستفزة يفتقر إلى الثقة بالنفس فيلجأ لهذا الأسلوب للفت الانتباه، أو لإثبات تميزه، وقد يكون الاستفزاز بشكل عفوي غير مقصود.
فن التعامل مع الشخصية المستفزة
نحن ندرس ملامح هذه الشخصية، لكي نتعرف على كيفية التعامل معها، ولا نتعصب عند التعامل معها، وإيقافها عند حدها، فعند التعامل مع هذه الشخصية الصعبة يجب التعامل معها بطريقة صحيحة، فكما نعلم أن لكل فعل رد فعل معاكس، فنحن يجب أن نستخدم فنون الرد الأنسب، وينقسم معظم الناس عند التعامل مع هذه الشخصية إلى قسمين:
القسم الأول: يقابل هذه الشخصية بشكل استفزازي، ويقوم بالرد عليه بصورةٍ أغلظ، وذلك لتفاد الأذى الذي تعرض له بسبب هذه الشخصية، وهذا النوع من التعامل يزيد المشاحنة، ووكذلك يزيد الإثارة والعصبية أمامه، وهذا ما يسعى إليه هذا الشخص، ألا وهو تعكير مزاجك، وإتلاف أعصابك، وعندها يشعر بالسعادة، وبأنه انتصر في المواجهة التي بينك وبيته.
القسم الثاني: يتجنب هذه الشخصية، لا يعطي له أي اعتبار، ويحاول الابتعاد عنه، وهذا أيضاً يشعر الشخص المستفز بانتصاره.
في الحالتين تصرفك كان خاطئ، ولا يمد لفنون الرد المناسبة بأي صلة، لأن الشخص المستفز في الحالة الأولى أيقن أنه وصل لمراده، فقد جعلك تنفعل، وفي الحالة الثانية شعر بأنك تضايقت وتأثرت بالكلام الذي قاله، فسواء تجاوبت مع هذه الشخصية أم ابتعدت عنها فأنت في خطر.
فما الحالة التي يجب اتباعها؟ وكيف تتعامل مع هذه الشخصية؟
النظر للشخص بجدية دون عمل اعتبار له، مع اظهار ثقتك بنفسك أمام عينيه.
تكرار الكلمات، أو العبارات، أو الإيحاءات التي قام بها، ثم أطرح عليه سؤالي، ماذا تقصد بذلك؟ ما النية التي بداخلك؟ ما علاقتي بما تقول؟ ثم انتظر الرد منه، وبالتأكيد لن تجد الإجابة، لأن إجابته التي لن ينطقها، إنه مجرد استفزاز، فبذلك تكون قد تجنبت المشاحنات، والعصبية التي كانت ستحدث، وتكون قد قطعت عليه إكماله لمشروع تعكير مزاجك، وقمت بإيقافه عند حده، فيتجنب استفزازك مرة أخرى، فشعوره أنك لم تتأثر ولم تتعصب منه يؤكد له عدم نجاحه في استفزازك، وقد نزيد هذا الموقف حُسناً وإيجابية، من خلال نصح هذا الشخص بأن ما فعله لا يجوز حتى لو كان استفزازه دون قصد، أو كان بغاية تحفيزك، لأن مَن يُريد تحفيز أحد يقوم بذلك بشكل مناسب، وبعيداً عن الناس.
الأمور التي يجب مراعاتها عند التعامل مع الشخصية المُستفِزّة
هناك بعض الأمور التي يجب مراعاتها عند التعامل مع الشخصية المُستفِزّة:
الثقة بالنفس، فلا تُشعر الذى أمامك بأن هناك شيءٌ يستفِزّك ويُشعرك بالنقص، فالكثير يتربص لك ويُريد أن ينال منك، وجميعنا سواسية، حتى الذي يستفزك هو إنسان يفتقر لأشياء كثيرة.
(اجتنبوا كثيراً من الظن) فليس الجميع مقصدهم استفزازك، فقد يكون فعله ليس عن قصد.
اجعل السعادة هدفك الأول، فلا تجعل أحدهم يعكر عليك مزاجك بسبب كلمات بسيطة، فالحياة أبسط من ذلك.
سلبيات الشخصية المستفزة
هذه الشخصية صعبة في التعامل ولا تروق للكثير من الناس، فيحاول الجميع الابتعاد عن هذه الشخصية، وتجاهلها، فيجد صاحب هذه الشخصية نفسه في آخر المطاف وحيد يهرب منه الجميع ويتجنبه، مما يزيد من سلوكه السلبي مع الناس، وتزيد هذه الشخصية البغضاء والمشاحنات بين الناس، لأن حامل هذه الصفات يؤذي مشاعر من حوله، ويزيد من توتر وعصبية من هم حوله، فلا يراعي الإيذاء الذى يحصل لهم بسببه، فجميعنا يوجد ما يضايقنا ويأتي هذا الشخص المستفز يزيد ما علينا من متاعب الحياة، وقد يتعدى الإيذاء المعنوي من قتل للمشاعر إلى إيذاء مادي حيث يزيد من عنف الأشخاص وقد يصل إلى الضرب.
الإيجابية في الاستفزاز
هل يوجد للاستفزاز إيجابية؟ نعم، هو الاستفزاز الذي نقصد منه تحفيز الشخص، فقد يكون هناك إيجابيات للاستفزاز على حسب الهدف الذي تقصده عند استفزازك للشخص، فإذا كنت تبتغي من ذلك إثارة دافعية هذا الشخص، وتنمية قدراته، وحثِّه على العمل، فهذا هو الاستفزاز الإيجابي الذى يسعى لتحفيز الأشخاص، ويستخدم الاستفزاز بطريقة إيجابية أيضاً، عند استخدامه مع العدو في الحروب لإثارته، فهذا قد يقلب مسار الحرب ويزيد من توتر الأعداء.
لماذا يلجأ الشخص المستفز إلى استخدام اسلوب الاستفزاز
إخفاء نقصٍ بداخله:
بالعادة صاحب هذه الشخصية يكون مُحباً لذاته، ويعلوه الغرور، فهو إنسان مُتّكبر لا يُحب الخير للناس، ولا يوجد بقاموسه مفهوم الإيثار، فهو إنسان يسعى دائماً لأن يصبح هو وحده المسيطر، وهذا ليُغطي فجوة نقصٍ قد تكون بداخله، فيبدأ بإثارتك، فقد يكون هذا الشخص يغار منك، لوجود شيء عندك لا يستطيع امتلاكه، او لحالةٍ اجتماعيةٍ يمر بها تعكر صفوه، فيريد تعكير مزاج جميع من حوله، فلا تسمح له بنيل مراده.
لفت الانتباه: يبدأ هذا الشخص بلفت انتباه من هم حوله بشتى الطرق، فيبدأ بفعل الأشياء التي تثير من حوله عن قصد، ليلتفت الجميع له، فهو يعتقد بهذه الطريقة أنه يحصل على أجواءٍ خاصةٍ به، فالجميع يترقب ما الذي سيصدر منه، والبعض قلق مما سيفعل أو يقول.
إثبات تمييزه:كما تحدثنا فهذه الشخصية تسعى دائما لتعويض ما تفتقر له من خلال إثبات تميُّزِها، فقد يتعمد هذا الشخص السخرية من الذين حوله، وفرض أنهم أقل منه بمرتبة، وذلك حتى يبرز نفسه ويثبت أنه مميز وأفضل من الشخص الذي أمامه.
حزازة وضغينة مُسبقة: وقد يلجأ هذا الشخص لاستفزازك بسبب حزازة مسبقة بينك وبينه، فهذه الشخصية لا يمكن أن تترك موقف حصل بينكم وتمرره بسهوله، فهي تنتظر حتى تأتي الفرصة وتقلب الطاولة عليك، فيقوم بإثارة أعصابك، فها هو الآن يسترد حقه عن طريق تعكير مزاجك، فيشعر في النهاية أنه انتصر عليك.
تعلّم فن الرّد، فالرُدود المناسبة على الناس هو إبداع يزيد منك رونق أمام مَن هم حولك.
طرق علاج الشخصية الاستفزازية
في البداية نُذكّر بقوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم).
فإذا شعرت أنك من حاملين صفات هذه الشخصية، فعليك البدء بالتغيير من نفسك والإقلاع والتقليل من هذا السلوك، إذاً فالمعالج الأول هو الشخص نفسه.
النصح والإرشاد: إذا قابلت أحد لديه هذه الشخصية عليك بنصحه وتوجيهه، وإعلامه بسلبيات هذه الشخصية، ولما تتركه من مخاطر لصاحبها من ابتعاد الناس عنه.