1/5/2009

أمسك بيدي بقوة و سالت دمعة على خده - وكنت طوال عهدي بزوجي الذي قارب الأربع سنوات  لم أره يذرف دمعة واحدة إلا مرتين ,الأولى عندما استشهد أخوه الصغير محمد قبل عام ونصف تقريبا...والثانية عندما أخذ يسرد لي أسماء من استشهد من رفاقه في الحرب على غزة وأسماء من سبقوه من رفاق قبل الحرب- وقال: لقد اشتقت للرباط يا أمية  و في الصفوف الأمامية كما كنت دوما..

قلت له: لا شك ستعود قريبا يا حبيبي ..و تقاتل الأعداء بسلاحك...وستلقى الله شهيداً بعد عمر طويل وحسن عمل بإذن الله..فأنا ما ارتضيت إلا أن أتزوج برجل مجاهد في سبيل الله

قال بصوت ضعيف  :ماذا سترسمين غدا

قلت: الأخبار تتحدث عن عودة جولات الحوار و المصالحة الوطنية في القاهرة

صمت...و شد على يدي ...وأغمض عينيه و نام

دقائق معدودة و فتح ممرض باب الغرفة وقال: موعد الإبرة

فتح وائل عينيه .. و رسم ابتسامة على شفتيه وقال للممرض : ألا يوجد إبرة بطعم الدجاج

ضحك الممرض وقال وهو يمسح موضع الإبرة : ان شاء الله تشفى قريبا وتعود  لتأكل كل أصناف الطعام.

غادر الممرض الغرفة و أقفل الباب

قال وائل:ماذا حدث بموضوع السفر للعلاج في الخارج؟

قلت:الإجراءات من الجانب الفلسطيني تمت ...ولم يبق سوى معبر رفح

ضحك متوجعاً: أليس هو المعبر ذاته, الذي أقفل في وجهنا قبل عام و نصف,  وأبقانا عالقين في مصر حوالي تسعة أشهر!!!

ضحكت بمرارة وقلت: بلى..هو ذاته

 ثم قال بحزن: رسمت كثيرا عن معبر رفح, و معاناة المرضى و المحاصرين و العالقين...ولم يدر بخلدك يوما ان ينضم زوجك الى قافلة المرضى الذين ينتظرون فتح المعبر!!!

قلت: الحمد لله رب العالمين في السراء و الضراء...قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا

صمت من جديد.... و أخذ يتحسس مكان الجرح الغائر في بطنه...ثم قال: ليتها كانت رصاصة صوبها نحوي صهيوني و انا أقاتل

ثم أغمض عينيه... ولكن ليس لينام هذه المرة...!

بل كان يجاهد , ليمنع الدموع ان تسيل

كنت أرى عراك جفنيه و ارتعاشة أهدابه

بينما لم يقو جفناي ان يصدا سيل الدموع الجارف

كنت أبكي بصمت.... و أنتحب بلا صوت

قال و لا يزال مغمض العينين: كلها ابتلاءات من الله يا أمية  ...وعسانا نكون من الصابرين و المأجورين

ثم أمسك بيدي و شد عليها بقوة

ثم نام

كان متعبا جدا... و كنت حريصة ان يحظى بقسط من النوم و الراحة.... وكنت أوقن ان قبلتي التي طبعتها على جبينه عندما هممت بالخروج من المشفى لن توقظه

آثرت ان امشي

شوارع عدة مررت بها..كانت خطواتي سريعة بسرعة دقات قلبي الموجوع لحال زوجي

كنت أبكي بحرقة وكادت الدموع تخفي عني معالم الطريق...

لم يكن يهمني من أنا و من اكون..

و لم يكن يهمني إن كانت عيون المارة ترمقني

كل ما كان يهمني ولا يزال.... أني زوجة... لا تريد ان تفقد زوجها بسبب الحصار

أليس فتح الطرق و المعابر.. وإنهاء الحصار... و إعادة  حقنا في العيش بحرية و كرامة ... وحقنا في السفر والتنقل... وحقنا في العلاج..... وحقنا في التعليم ... أولى من فتح الطرق و المعابر لجولات حوار...ثبت أنها لا تشفي من سقم و لا تسمن من جوع!!