بقلم : بدر الدين مدوخ

 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى من والاه إلى يوم الدين، وبعد...
سؤال ينبغي أن يشغل بال كل مسلم في هذا الشهر العظيم، ألا وهو: كيف أعرف أن الله قبل صيامي؟ كيف أطمأن لقَبول الله لهذا العمل التعبدي؟
للإجابة على هذا السؤال، لا بد لنا من استعراض لوصايا الرسول – صلى الله عليه وسلم – بما يتعلق بالصيام، وربطها بآية الصوم ؛ فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول في الحديث الذي رواه البخاري (والصيام جُنّة – أي وقاية – فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، وإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني امرؤٌ صائم)، إذا الصيام وقاية من الرفث والصخب ورد الإساءة بالإساءة أي وقاية من الإنجرار نحو الشحناء والبغضاء وغيرها، فالصيام المقبول هو الصيام الذي يمنع صاحبه الوقوع في مثل هذه المعاصي.
وآية الصيام وضحت أن الهدف من الصيام هو التقوى ((يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) البقرة 183، والتقوى تعني الوقاية كذلك، أي كمعنى (جُنّة)، إذاً الله فرض الصيام على أمة الإسلام لينطلقوا من إيمانهم بالله عبر محطة الصيام الرمضانية ليكتسبوا مناعة ووقاية ضد المعاصي فيكونوا من المتقين.
وليكتمل المعنى أكثر، نذكر حديث رسول الله (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه- صحيح البخاري)، وشهادة الزور أسوأ عنوان للكذب، فالصيام وقاية من مثل هذه الأفعال التي هي من صفات المتقين، أي الذين يملكون الوقاية الحقيقية من المعاصي التي تغضب الله سبحانه.
كما أن الله – سبحانه – اشار إلى أن هذه العبادة – أي الصيام – فرضها على الأمم السابقة كي يستثيم حالها وتقي نفسها من المعاصي والمهالك.
وهنا إشارة ربانية تفيد أن من تحققت فيه هذه الوقاية من تلك المعاصي فهو من المؤمنين لأنه لا وقاية ولا تقوى دون إيمان، ومن دخل في دائرة الإيمان فهو في كنف حب الله، وأعظم النداء وأفضله هو أن ينادي المُنادِي على المُنادَى بأحب الصفات لقلب المُنادِي، فالله ينادينا بأحب أسمائنا له سبحانه، وهي صفة الإيمان، ومن أحبه الله لا يعذبه. 
إذاً عدم ارتكاب هذه التجاوزات هي الجواب على سؤالنا ابتداءاً، فمن أراد أن يعرف قبول الله لصيامه من عدمه فلينظر هل كان الصيام له جُنّة ووقاية من القول الفاحش البذئ، ومن الصوت الصاخب المرتفع، من الكذب بأنواعه، ومن عدم الإنجرار وراء الشتائم والسباب والتحكم في النفس وزجرها عن مجاراة السفهاء؛ فإذا كان الجواب بالإيجاب فليهنأ الصائم بقبول صومه، وإن كان على عكس ذلك فليراجع نفسه وليعزم على وقايتها من جديد.
وحتى تكتمل الصورة، فمما لا شك فيه أن نفساً تعودة على أن يكون الصيام لها وقاية من هذه المعاصي طوال شهر كامل تستلذ فيه بطعم هذه الأخلاق، لهي نفس مرشحة لتستمر بقية العام على ذلك، وهذا مؤشر أقوى – في حال الإستمرار فيه – على قبول الله لعبادة هذا الشهر كاملاً، والله تعالى أعلم.