18/09/2010

د.أيمن نور

كان دائمًا داعمًا لوحدة الصف الوطني، داعيًا للحذر من أسباب الفرقة... كان له طريقته الخاصة!!.

تعودت منه تهنئة تصلني على تليفوني المحمول في كل عيد ومناسبة منذ أن تزاملنا لسنوات طويلة في عضوية البرلمان، وتجاورنا طوال هذه السنوات في مقاعده، كما تجاور وتزامل من قبل والدي ووالده!!.

الشهر الماضي وصلتني منه رسالة تهنئة بقدوم رمضان، وأخرى لدعوتي للمشاركة في مؤتمر للجمعية الوطنية للتغيير بالفيوم- استضافه بداره ومقره- ثم وصلتني منه رسالة للتهنئة بالعيد.. وبالأمس وصلتني رسالة أخيرة .. إنه فارقنا.. ومات!!.

مصطفى عوض اللهمات مصطفى عوض الله، النائب الإخواني عن الفيوم، الذي فاضت روحه إثر حادث أليم منذ ساعات، اختطف الموت واحدًا من أنبل وأخلص وأطيب من صادقت في حياتي السياسية والبرلمانية.

كان من النوع الذي يسمع كثيرًا، ويتكلم قليلاً، وإذا تكلم لا ينطق لسانه إلا إذا آنس دفئًا إنسانيًّا.. كان شغوفًا بالأسئلة لا الأجوبة، بالتماس الأعذار قبل إطلاق الأحكام.. كان صافي الروح، لا يثير وجوده إلا ما تثيره نسمة رقيقة تعبر في طريقها إليك حقل بنفسج!!.

كتلة من الأدب والتواضع والهرب بعيدًا عن الأضواء، يملؤها النبل والشرف وحب العطاء!!.

مصطفى عوض الله يتابع مشاكل أهالي الدائرةعندما زرته– لأول مرة- منذ أسابيع في دائرته ومقره بالفيوم على هامش مؤتمر الجمعية الوطنية للتغير، أهداني عددًا من المطبوعات التي لم أبدأ- للأسف- في الإطلاع عليها إلا عقب سماعي نبأ وفاته أمس.

أخطر وأهم ما استوقفني، بحث تاريخي من إعداد مركز البصائر، يعرض لأهم التحالفات السياسية التي دخلت فيها جماعة الإخوان مع أحزاب وقوى سياسية أبرزها الحزب الوطني القديم ووفد ما قبل الثورة !!.

أدهشتني المفاجأة وأنا أقرأ مقالا صدر عن جريدة الجمهورية عدد الخميس 19 فبراير 1976م للراحل فتحي رضوان عضو الهيئة العليا للحزب الوطني القديم وهو يكشف أن الإمام حسن البنا عرض عليه انضمام الإخوان للحزب الوطني، مشيرًا أنه فكر طويلاً ليخرج الإخوان من المأزق (عام 1949) بأن يرفع عن شعب الإخوان في كل مكان اسم الجماعة ويضعوا عليها لافتات الحزب الوطني!!.

ويضيف المقال- نقلاً عن البنا- إنه قال لفتحي رضوان: "سنخير الإخوان بين أمرين الأول أن يبقوا في الجماعة للنشاط الديني البحت، وإما أن ينقلوا نشاطهم للحزب الوطني!!" وقال الإمام ضاحكًا:"سيبقى معي الدراويش أما من لهم طموح سياسي، ورغبة في مكابدته فالحزب الوطني خير ميدان لهم"!!.

وثيقة أخرى كشف عنها البحث المهدى لي من الراحل مصطفى عوض الله تعود لعام 1948، وبعد هدوء الخلاف بين الوفد والإخوان تكشف عن اتفاق مكتوب بين فؤاد سراج الدين سكرتير عام الوفد والبنا يقول البند الأول من الاتفاق: "اتحاد الجهود للخلاص من النظام الذي يمثله صاحب الدولة النقراشي باشا !!.

أما البند الثاني فيؤكد احتفاظ كل كيان بطابعه وبرنامجه، أما الثالث، فينص على تشكيل لجنة اتصال من أربعة من كل طرف، أما البند الرابع فيتصل بتأليف لجان الطلبة في المدارس والكليات بنسب متساوية على أن يكون رئيس كل لجنة وفدي ووكيله إخواني.

أخطر وأهم البنود هو خامسها الذي يتحدث عن الانتخابات القادمة وموافقة سراج الدين على أن يترك الوفد للإخوان 35% من الدوائر دون مرشحين منه على أن يكون لمرشحي الوفد65% وهو ما اعترض عليه النحاس؛ لأن مكرم عبيد وحزبه "الكتلة" طالب بنسبة 25%، فقال النحاس: "لو تركنا 35% للإخوان و25% لمكرم كما يريد، فلن يكون للوفد أغلبية إذًا، يجب أن نسقط من اعتبارنا أن السعديين والأحرار الدستوريين والمستقلين سيفوزون في دوائر قلت أو كثرت!!.

وكما تقول عن هذا الاتفاق جريدة "طنطا" العدد 841 لسنة 23 في 27/9/1948م إن حل النقراشي جماعة الإخوان ثم مقتله ثم قيام سلفه إبراهيم عبد الهادي بقتل البنا أجهز على هذا التحالف!!.

لا أعرف تحديدًا الرسالة التي أراد الراحل أن يوحي بها بإهداء هذا البحث المهم عن تاريخ التحالفات السياسية للإخوان وما تعرضت له من تحديات في ذات يوم اجتماع الجمعية الوطنية للتغيير في داره ومقره.

ويبقى السؤال: لماذا دائمًا لا تكتمل مشاريع توحيد الصفوف في مواجهة أعداء الأمة.

لماذا هي دائمًا أجنة تموت في الشهر الثامن في اليوم التاسع والعشرين منه.

كان الراحل دائمًا يدعو للتقارب بين الغد والإخوان والإخوان والجمعية الوطنية كم كان بليغًا رغم صمته، عميقًا رغم رمزيته.!!!