05/07/2010
د/ عبد الرحمن البر*
حرص ومتابعة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد؛ فمع مشاغلي واهتماماتي المعتادة؛ فإنني حريص كل الحرص على متابعة التعليقات والمداخلات التي يكتبها الإخوة الكرام الذين يتفضلون بقراءة مقالاتي أو التعليق عليها، وأرى ذلك واجبًا عليَّ تجاه هؤلاء الأحبة الذين اهتموا بما أكتب، وبذلوا جهدًا في التعليق عليه؛ يكشف لي عما إذا كانت الفكرة التي استهدفتُها من كتابة الموضوع قد وصلت واضحة ومفهومة، أو هي في حاجة لمزيد من التوضيح، أو في حاجة إلى شيء من التعديل والتصويب، لم يبخل عليّ به هؤلاء الكرام الذين شاركوني الاهتمام بالموضوع، ونصحوا لي مخلصين- فيما أحسب- والله حسبنا جميعًا، ومع أني قد أتأخر في جمع هذه التعليقات وقراءتها، إلا أنني حريص على أن أقرأها بعناية أو على الأقل أقرأ معظمها بحسب ما يتيسر لي.
ومع هذا الحرص فإنني قد لا أكون قرأت كل التعليقات على المقالة الأخيرة (إبراهيم عيسى وأبو هريرة مرة أخرى) لكثرة المواقع التي نشرتها، وكثرة- أحيانًا- طول بعض التعليقات التي دلت على أهمية الموضوع، وعلى حسن متابعة الشباب لمثل هذه القضايا الفكرية المهمة.
وإذ أقدم شكري لكل من قرأ المقالة، وتقديري لكل من اجتهد في كتابة تعليق أو مداخلة، فإنني أستأذنكم في بعض الوقفات مع هذه التعليقات والمداخلات:
أولاً:
دارت معظم المداخلات حول النقاط التالية:
1- الدعوة لإرسال المقالة للأستاذ إبراهيم عيسى ومحاولة نشرها في (الدستور)؛ لأن ذلك أجدى وأنفع وأكثر انتشارًا.
2 – التقييم المتباين لشخصية الأستاذ إبراهيم عيسى، فبعض القراء الكرام يثني عليه ويبدي إعجابه به ويذكر أنه يفتح صحيفته لكُتَّاب الإخوان، ويرى تنبيهه إلى الخطأ برفق، في مقابل فريق آخر وصفه بالعلماني وبالشيعي وبالاشتراكي، واتهمه بالتآمر على الحركة الإسلامية، مع الإشارة إلى سوابقه في الكتابة المسيئة للصحابة وللإسلام، وأصر البعض على استخدام ألفاظ عنيفة وأحيانًا مسفة وقبيحة في التعبير عن رأيه، بل دعا بعض القراء إلى رفع دعوى قضائية عليه.
3- وجد بعض القراء الكرام أن فتح هذه القضية فرصة لمناقشة القضايا المشابهة، مثل التشكيك في ثبوت السنة، والتشكيك في الأئمة وكتبهم كصحيح البخاري وغيره.
تلك أهم القضايا التي أثارتها التعليقات، وأستأذنكم في إبداء وجهة نظري فيما طرح على النحو التالي:
1- لقد أُرْسلت المقالةُ بالفعل إلى جريدة (الدستور) وتسلَّمها الأستاذ إبراهيم منصور "رئيس التحرير التنفيذي"، وطلب ألا تُنْشَر في أي موقع قبل أن تُنْشَر في (الدستور)، وأبلغني الأخ الذي راسله وكلمه هاتفيًّا بأن الأستاذ إبراهيم منصور عرضها وعرض كتاب (هذا هو أبو هريرة رضي الله عنه) على الأستاذ إبراهيم عيسى، وأنه في انتظار الإذن بالنشر، ومرَّ يومان على ذلك دون رد، فطلبت من الأخ أن يرسلها باسمي إلى المواقع والمنتديات لنشرها، حتى لا تتأخر، وتصبح "قديمة"، وأتصور أن الأستاذ إبراهيم عيسى قرأ المقالة، وأرجو أن يكون قد استفاد منها.
2 - فيما يتصل بالنقطة رقم (2) فإنني أود القول: إنني أحترم الأستاذ إبراهيم عيسى رغم اختلافي مع الكثير من طروحاته، وأحيانًا مع طريقته في الطرح والمناقشة، إلا أنني ممن يستمتعون بقراءة مقالاته متى وجدتُ وقتًا لذلك، والذي يغلب على ظني أنه ممن يحترم طرح الرأي والرأي الآخر للحوار والمناقشة، ومن هذا المنطلق ناقشته في كتابي (هذا هو أبو هريرة رضي الله عنه).
- من جهة أخرى فأنا أرفض البحث في النيات والتفتيش عن القلوب، وأحب مناقشة الفكرة بالفكرة، ومقارعة الكلمة بالكلمة والحجة بالحجة، واستخدام الكلمة العفيفة الهادئة في الحوار؛ لأننا في مناقشة لا في منافسة، وأعامل الناس بالظاهر من أحوالهم، وأَكِلُ سرائر العباد لله رب العالمين.
- ولذلك أرفض شيطنة المخالف لي في الرأي، وأدعوه إلى الحوار العاقل الهادئ الهادف المنصف، بعيدًا عن المراء والجدل وعن التعصب الأعمى للرأي، كيف والله تعالى يقول: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)﴾ (سبأ)، هذا مع توكيد الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه على الهدى بلا ريب ﴿وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)﴾ (الحج)، فهل هناك أهدأ من هذه الدعوة الكريمة لحُسن الحوار مع المخالف.
- ويقيني أن هذا الجدال بالتي هي أحسن هو الضمانة الحقيقية لعدم جرِّ المخالف إلى التعصب للباطل والخطأ بعد أن يظهر له الحق والصواب، وحتى إذا لم يرجع إلى الحق فإن رفع هذه القيمة الأخلاقية في الحوار هدف في حد ذاته.
- كما أنني أرى أن لكل إنسان أن يطرح ما يشاء من الأفكار ما دام باحثًا عن الصواب، وقابلاً للحوار، ومستعدًا للقبول بالحق متى ظهر له، إلا أنني في ذات الوقت أرى أن من احترام الكاتب لنفسه ولقرائه أن يتثبت مما يروي وينقل، وأن يتحرَّى الصوابَ قدر الإمكان فيما يطرح من أفكار، وهو ما آمُلُ أن يأخذ به الأستاذ إبراهيم نفسه، خصوصًا في الموضوعات التاريخية.
- وأنا هنا أقول للإخوة الذين استخدموا ألفاظًا عنيفة وأحيانًا مُسِفَّة وغير لائقة: إنكم تُفسِدون من حيث تظنون الإصلاح، وتخسرون من حيث تتوهمون تحقيق الأرباح؛ لأن السب والشتم لا ينصر حقًّا ولا يسقط باطلاً، ويتقدم فيه الساقطون لا الموفقون، فأرجو ألا نستخدم مثل تلك الألفاظ والعبارات في المناقشات الفكرية مطلقًا، ولنتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يحب الفاحشين ولا المتفحشين"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء".
- وحتى لو استخدم الكاتب ألفاظًا وعبارات غير لائقة فهذا لا يبرر إطلاقًا الرد عليه بنفس الطريقة وبذات العبارات والألفاظ؛ لأننا دعاة وأصحاب رسالة نقول التي هي أحسن، ونتأسى بالنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم الذي كان يقابل السيئة بالحسنة، ويتعفف عن استخدام الألفاظ الهابطة في الحوار، ولا أحد أحوج إلى التحلي بهذا الأدب منا نحن أتباع إمام الأنبياء صلى الله عليه وسلم.
- وأما بالنسبة للقول بأن الأستاذ إبراهيم يفتح صفحات جريدة (الدستور) لكُتَّاب الإخوان، فنحن نشكر له ولغيره ممن يفعل فعله هذا الصنيع، لكن هذا لا يمنع من أن نقول له حين نراه أخطأ: أخطأت، كما أن احترامنا لقلمه ولدفاعه القوي عن الحريات لا يعني السكوت على ما يكتبه من إساءات لرموز أمتنا ولتاريخنا، ولسنا ممن يفسد الخلاف مودتهم، ونظن أن الأستاذ إبراهيم مثلنا في ذلك، فالحق أحب إلينا من كل شيء، وابتغاء الصواب يجب أن يكون محل توافق الجميع.
هذا مع العلم بأن أي صحيفة تحظى بمقالات من كُتَّاب الإخوان يعد ذلك قيمة جيدة تُضاف إلى رصيد الصحيفة.
- أما الإخوة الذين يطالبون برفع قضايا على الأستاذ إبراهيم بدعوى الطعن في رموز الأمة.. إلخ؛ فلست معهم في ذلك على الإطلاق، بل نواجه رأيه بالرأي وفكره بالفكر، ونقطع حجته بالحجج الأقوى، ولسنا والحمد لله ضعفاء في البلاغة والبيان، وليست قضايانا من الضعف؛ بحيث نخشى من مقالة هنا أو كتاب هناك، بل إن الحق الذي ندعو إليه أشد وضوحًا من الشمس وضحاها، وأضوأ من القمر إذا تلاها، وأجلى من النهار إذا جلاها.
كل ما نطلبه من الأستاذ إبراهيم وغيره من رؤساء التحرير والمتنفذين في المواقع الإعلامية المختلفة أن يعطونا من الحق في نشر آرائنا وفكرتنا ما يعطون لأنفسهم، وأن يسمعوا منا كما نسمع منهم، وأن يقدموا برهانًا صادقًا على إيمانهم بحرية الرأي وحق كل صاحب رأي في إبدائه ما دام منضبطًا بالضوابط الأخلاقية والمهنية المعروفة.
3 - وأما بالنسبة للنقطة رقم (3) فأنا مع الإخوة الكرام في ضرورة مناقشة القضايا التي يثيرها من يسمون أنفسهم بالقرآنيين، ومن يشككون في السنة المباركة ثبوتًا واحتجاجًا، ومن يطعنون في تاريخنا ويجرحون رموزنا ولا يقرءون في تاريخنا إلا كل ما هو سيئ وشائن، خصوصًا أن كثيرًا من هؤلاء يمتلكون أقلامًا، وتُخصَّص لهم مساحات صحفية وإعلامية واسعة يطرحون فيها أفكارهم دون أن يقوم لهم من يصحح الخطأ ويرد الإفك والافتراء؛ وهو ما أدعو نفسي وإخواني من العلماء إلى النهوض به وتقديمه في صورة علمية معاصرة ومقبولة ومفهومة، وبأساليب سهلة ميسرة مناسبة لشباب اليوم.
ثانيًا:
لاحظت أن كثيرًا من المداخلات والتعليقات أثارت موضوعات أخرى غير موضوع القضية المطروحة، وأن الجدل والخصومة في الرأي أخذ مدى بعيدًا، تجاوز حدود المناقشة المفيدة إلى التخندق في آراء غير قابلة للتغيير.
وهنا فإنني أدعو إخواني إلى التركيز في موضوع المقالة بغرض تدعيم الفكرة أو نقدها أو طرح أسئلة لمناقشتها في الموضوع ونحو ذلك؛ بحيث يتم التركيز على القضية الأساسية موضوع المقال.
وفي هذا الصدد؛ فإنني أحيي أخي الحبيب الكريم الأستاذ السيد سليمان نور الله على مداخلته المتميزة في (ملتقى الإخوان)، وأعتبرها نموذجًا ممتازًا لما يجب أن تكون عليه المداخلات، وأنتهز هذه المناسبة لأدعو أخي الحبيب إلى إثراء الملتقى بأفكاره وبحوثه المتميزة، بارك الله فيه.
وفي الختام، فإنني أوصي نفسي وإخواني بالتزام آداب الحوار التي علمنا إياها ديننا، وتربَّينا عليها في دعوتنا، وأسأل الله للجميع الرشاد والسداد.
وإلى لقاء آخر.. أستودعكم الله.
________
* عضو مكتب الإرشاد، وأستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر