حزن عميق عم أجيالاً كاملة .. حين جاءت الأنباء برحيل أستاذ الفكر والدعوة العلامة فتحى يكن .

فليس جيلى وحده - وأنا فى العقد الرابع - الذى تأثر بفكر وكتابات الأستاذ فتحى يكن ، بل أعلم رجالاً ودعاة تجاوزوا عقود الخمسين والستين .. كما أعرف شباباً فى العشرينيات .. كلهم تربوا وتأثروا واقتنعوا بكتابات الأستاذ ..

تلك الكتابات التى تميزت بحل المعادلة الصعبة .. أن يكون عرضك للفكرة بسيطاً وعميقاً فى الوقت ذاته .. وأن تؤصل لقضايا الدعوة وتخط طريقاً واضحاً يميز - ليس فقط جماعة الإخوان المسلمين - بل كل الحركة الإسلامية بيسر وسهولة ، حتى إذا سأل المسترشد عن المنهج أجابه يكن : خذ " نحو حركة إسلامية عالمية واحدة " واقرأ " ماذا يعني انتمائي للإسلام؟ " وطالع " نحو صحوة إسلامية في مستوى العصر " وتدبر " الاستيعاب في حياة الدعوة والدعاة " .

هكذا كانت كتابات الأستاذ التى تلقفها جيلى بالقراءة والدراسة والفهم تلميذاً عن معلم عن أستاذ مربٍ اسمه " فتحى يكن " .

الميزة الرئيسية - فى نظرى - لكتابات الأستاذ هى التفاف جميع أبناء الحركة الإسلامية المعاصرة حولها بالتأثر والاقتناع .. بل والتبنى ..

فليس أمراً مستغرباً أن ترى واحداً من الإخوان المسلمين يقرأ ويتأثر ويتبنى كلام أحد أساتذة دعوته ، إنما العجب - والميزة - أن ترى المشهد ذاته يتكرر مع آخرين من أبناء هذه الحركة الإسلامية المباركة رغم اختلاف مشاربهم ..

ولقد رأيت بعينى من أبناء الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد - وأقصد ذلك التيار الذى تبنى حل السلاح كخطوة تغييرية - رأيتهم وهم يتلقفون كتابات الأستاذ ولا سيما " ماذا يعنى انتمائى للإسلام " ، وكذلك " المتساقطون على طريق الدعوة " .. وعلمت من بعضهم كيف تبنوا فكره وكتابته التأصيلية للدعوة فى مناقشاتهم الداخلية لأحوالهم التنظيمية ..

الحال نفسه رأيته لكثير من تلاميذ المدرسة السلفية المعتدلة - ولا سيما مدرسة الإسكندرية - ولعل من يطالع محاضرات رموز هذه المدرسة كالدكتور محمد بن إسماعيل المقدم - أحد أبرز الشيوخ السلفيين المنصفين - يجد ذكراً حسنا للأستاذ ، ويجد طرحاً لفكره فى بعض المحاضرات والتى يلقيها الشيخ المقدم على تلاميذه ومريديه ..

وأشهد أنى سمعت لأكثر من عشرين داعية ومحاضر وخطيب وواعظ - على اختلاف مشاربهم ومناهجهم - دروساً كلها تحمل عنوان : " ماذا يعنى انتمائى للإسلام " .. وكلهم فيها مقتبسون من كلام الأستاذ يكن .

هذا الاجتماع على داعية أو مفكر بعينه من مشارب وتيارات مختلفة لم يحدث إلا لندرة من الأساتذة كان على رأسهم يكن .. مثله مثل الأستاذ الراشد ..

وليست كتابات الراشد : المنطلق والمسار والعوائق والرقائق .. ببعيدة عن كتابات يكن " ماذا يعنى انتمائى للإسلام " و " أبجديات التصور الحركى للعمل الإسلامى " و الإسلام فكرة وحركة وانقلاب " ..

يمر بخاطرى وأنا أكتب هذه الكلمات طيف الشيخ الربانى عبد الحميد كشك .. وأتساءل عن سبب ذلك ؟! .. لعله اجتماع القلوب والعقول عليه هو الآخر - رحمه الله - .. ولعله تأثر جيلى كله بلى أجيال سبقتنا وأخرى لحقتنا بكليهما مهما اختلفت المادة التى عرضها هؤلاء الرموز ومهما اختلفت طريقة عرضهم .. فلقد اشتركوا فى صفات أنهم كلهم مؤثرون ، وأنهم كلهم اتفقت القلوب عليهم ، ولعلهم والله حسيبهم اتفقوا كلهم فى الإخلاص لله ولفكرهم ولدعوتهم ..

 

حين أعرض هذا الكلام بعد وداع الأستاذ يكن .. أتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم المتواتر " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا " .. وأشعر بوخزة بالصدر لرحيل أمثال هذا الجبل الدعوى العظيم .

وأعود فأقول إن كتابات الأستاذ باقية إن شاء الله تؤصل لفكر .. وتبين معالم لطريق الدعوة .. وتشرح آفات وأمراض وتوضح علاجها .. فلنجعلها مرجعاً لنا وزاداً فى طريق دعوتنا .. نتعلم منها .. ونترحم بها على الشيخ الأستاذ المفكر .

رحم الله الأستاذ فتحى يكن .. أستاذ الفكر والدعوة .. الذى التفت حول كتابته القلوب .. واجتمعت على فكره العقول ..

اللهم ارحمه وأسكنه الفردوس الأعلى من جنتك .. وارزقه مرافقة نبيك الكريم صلى الله عليه وسلم فى الجنة .. آمين آمين .